قبل وصول سنة 2020.... ماذا وقع في الربع القرن الأخير؟

شاهد

قبل وصول سنة 2020.... ماذا وقع في الربع القرن الأخير؟


لا تفصلنا عن دخول سنة ميلادية جديدة و معها عقد جديد من الألفية الثالثة سوى عدة أيام قليلة، و من المنتظر أن تشهد السنوات القادمة أكيد أحداث قد تكون مرتقبة أو قد تكون مفاجئة بالنظر الى سياق الاحداث الانية ، لكن هذه الأحداث التي يمكن أن تقع قد مهدت لها أحداث اخرى وقعت في السنوات الأخيرة، و التي كانت حافلة بنسق متسارع من التغيرات على كل من  الصعيد الإقليمي و حتى العالمي.
و لمحاولة معرفة اتجاه الأحداث مستقبلا علينا قراءة ما يحدث حاضرا و ما حدث ماضيا، و قد أخترت أن أبحث على ذلك في نطاق الربع القرن الأخير و الذي وجدت أنه كان زاخرا بالأحداث التي صنعت فارقا في واقعنا اليوم و في مجرى الأحداث في المستقبل القريب.

و سأبدأ باستعراض أهم هذه الأحداث من حدث وقع قبل 25 سنة بالضبط أي ال 15 دجنبر من 1994، حيث تم إطلاق أول نسخة من متصفح الويب،و بعد ذلك بقرابة الشهر و تحديدا 17 يناير 1995تم إطلاق الشبكة العنكبوتية العالمية، و أيضا تأسيس محرك البحث ياهو في الأول من مارس من نفس السنة، إضافة إلى إطلاق نسخة ويندوز 95 في أواخر أغسطس 1995، دون أن ننسى تاريخ تأسيس أشهر محرك بحث في الوقت الحاضر ألا و هو غوغل الذي أسس في الرابع من سبتمبر 1998، و أيضا الكم الكبير من مواقع الدردشة و التواصل الإجتماعي التي ظهرت في بداية هذه الألفي، هذه الأحداث و غيرها من الأحداث المتسارعة المرتبطة بالمجال التكنولوجي كانت ذا تأثير كبير على مجرى الأحداث في كل المجالات بما فيها المجال السياسي.
و رجوعا إلى الوراء مرة أخرى هناك أحداث أخرى كانت مؤثرة أيضا و هي الآن مازالت موضع الحديث حول ما نتجت عنه و ماذا غيرت في مستقبل الماضي و حاضر اليوم و ماذا ستغير في المستقبل، و من هذه الأحداث الداخلة في نطاق الربع القرن الأخير نجد اتفاقيتين وقعت في سنة 1995 الأولى تتعلق باتفاقية شينغن الموقعة بين دول أوربا، و الثانية تتعلق بتوقيع 170 دولة على معاهدة الحد من إنتشار الأسلحة النووية، إضافة إلى بدء سريان نفاذ معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية سنة 1997، فهذه الاتفاقيات كان لها تأثير في الواقع اليوم، فأوربا اليوم ليست كأوربا قبل توقيع إتفاقية شينغن و قبل إصدار أول أشكال العملة الموحدة اليورو سنة 1998 التي ساعدت في تحقيق رفاهية أكثر للأوربيين رغم التحديات التي واجهتها و مازالت تواجهها لعل آخرها البريكسيت الذي اختاره البريطانيون في استفتاء ال23 من يوليو 2016، أما فيما يتعلق بحظر الأسلحة الكيميائية و الحد من الأسلحة النووية، يلاحظ أنها ربما كانتا فقط حبرا على ورق في ظل عدم الإلتزام، فقد أصبحتا مجرد مرجع للدول للضغط على بعضها البعض بخصوص إحترام بنود المعاهدتين.
وبعيدا عن الأسلحة و ما يرافقها من مآسي، كانت أشياء أخرى حصلت في ماضينا الجميل أقول الجميل،  منها ما هو مرتبط بطفولتنا، كالبرنامج الذي أطلق في 31 مارس 1997 المخصص للأطفال teletubbies ، و بعده بيوم واحد أولى حلقات الرسوم المتحركة بوكيمون ، و منها ما هو مرتبط بشيء من الرومانسية، و الكلام هنا عن تاريخ 31 أغسطس 1997 حيث إنتهت قصة أشهر أميرة رومنسية في السنوات الأخيرة الأميرة ديانا بحادث سيارة في عاصمة الأنوار باريس، و عن تاريخ 19 دجنبر 1987 حيث تم عرض أشهر فيلم رومنسي في التاريخ و هو titanic، و الذي حقق في الأول مارس من سنة 1998 مليار دولار كارباح ليكون أول فيلم في التاريخ يحقق هذا الرقم.

و فيما يتعلق بالأحداث السياسية العالمية التي حصلت في 25 سنة الأخيرة، نذكر أولا الإعلان عن استقلال هونغ كونغ عن المملكة المتحدة في الأول من يوليو 1997 و بعدها خضوع هونغ كونغ للسيادة الصينية مع تمتعها بالحكم الذاتي، و مازالت الأحداث تتطور هناك بين من يطالب بالاستقلال الكامل عن الصين و بين راغب في البقاء تحت السيادة الصينية،
و غير بعيد عن الفكر الشيوعي الصيني انتخب هوغو تشافيز رئيسا لفنزويلا يوم 26 دجنبر 1999،  كما ذهبت الرياح في روسيا في نفس الإتجاه حيث كان تاريخ الثامن من أغسطس هو تاريخ ظهور الرئيس بوتين على الساحة السياسية الدولية حيت عينه آنذاك الرئيس بوريس يلتسن رئيسا للوزراء، ليصبح بعدها بأشهر رئيسا مؤقتا لروسيا بعد استقالة يلتسن في آخر يوم من سنة 1999، إضافة إلى حدث آخر هز الساحة السياسية العالمية و الذي مازالت تأثيراته على الخريطة السياسية خاصة الشرق الأوسطية إلى الآن و هو حادث ال11 سبتمبر 2001 حيث انهار مبنى التجارة العالمي في نيويورك في عملية تبناها تنظيم القاعدة ضد أقوى دولة في العالم لتعقبها ردة فعل أميركية تمثلت في غزو العراق ثم احتلاله سنة 2003 ، و الرفع من وتيرة الحرب في أفغانستان، كما شهدت سنة 2008 على ارتفاع مهول في سعر البرميل من النفط حيث وصل إلى ما فوق ال100 دولار .

و على المستوى العربي كانت هناك أحداث كثيرة و مؤثرة بشكل كبير على الخريطة السياسية للمنطقة، لكن سنبدأ بحدثين كانا في مصر، الأول إطلاق القمر الصناعي المصري الأول نايلسات N101 سنة 1998،و الثاني تمثل في حصول أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء، هاذين الحدثين كانا بمثابة مقدمة لمستقبل أفضل في الألفية الجديدة، إضافة إلى الإنسحاب الكامل لإسرائيل من جنوب لبنان في ال25 من مايو سنة 2000، و لكن.
و لكن كانت أحداث أخرى حصلت لم تكن تبشر بحال جيدة سيعيشها العالم العربي في الألفية الحالية، و لعل أبرزها ما حصل من أحداث في الجزائر في إطار ما يسمى العشرية السوداء التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، لتهدأ الأمور بعدها في الجزائر بعد ذلك و يتم انتخاب بوتفليقة رئيسا لها و الذي أعيد انتخابه في 2004 ثم مرة أخرى و مرة أخرى و كانت النية في مرة أخرى، ليتضح أن ذلك الهدوء كان يسبق العاصفة، حيث قامت مظاهرات ضد نظام الرئيس اضطر معها بوتفليقة إلى الاستقالة في الثاني من أبريل لهذه السنة الجارية ليتم انتخاب رئيس جديد للجزائر فقط قبل يومين من الآن، لكن الأحداث في الجزائر مازالت لم تنتهي بعد نظرا لعزوف الشارع عن الإنتخابات و اعتبارها بأنها ستعيد إنتاج نفس النظام، مما يجعل الواقع متحركا في الجزائر صعب توقع مآلاته، و ارتبط الوضع في الجزائر بالوضع الذي حصل في الكثير من الدول العربية تحت مسمى الربيع العربي ، الذي كان علامة فارقة في السنوات الأخيرة في المنطقة، و سنبدأ ببعض الأحداث التي كانت سببا ضمن العديد من الأسباب التي أدت إلى ظهور الربيع العربي، و البداية من تاريخ العاشر من يوليو سنة 2000 حيث تم انتخاب أحد الرؤساء المعنيين بالربيع العربي ، و الحديث هنا عن طبيب العيون الذي وجد نفسه خلفا لأبيه في رئاسة سوريا رغم أن النظام هناك جمهوري و ليس ملكيا، و رغم أنه ذهب في إتجاه العزف على أنغام المقاومة و العروبة و ما إلى ذلك، إلا أن ذلك لم ينجح في وقاية نظامه من الرياح التي جلبها البوعزيزي عبر إضرامه النار في نفسه يوم ال17 دجنبر 2010 ،  لتندلع مظاهرات الربيع العربي، و تصل إلى سوريا بسرعة كبيرة، ليقابلها النظام بعنف كبير حول المظاهرات السلمية إلى ما يشبه الحرب الأهلية، و قد كان النظام على وشك السقوط لولا التدخل العسكري الروسي الذي ابتدأ في ال30 من سبتمبر 2015، و استمرت الأحداث في سوريا حتى أصبحت أرضا مغتصبة سيادتها من العديد من الدول المجاورة و البعيدة، ليكون الأمر مؤسفا .
و غير بعيد عن سوريا ، كانت العراق مسرحا للعديد من الأحداث غيرت من وجه العراق و المنطقة كليا، فبعد الغزو الأمريكي سنة 2003، و القضاء على نظام الحزب الواحد البعثي و الشخص الواحد ، ترقب الشارع العراقي مستقبلا أفضل مع توفير مناخ من الديمقراطية، و قد تم الإستفتاء على الدستور العراقي في ال15 من أكتوبر سنة 2004، و بدء محاكمة صدام حسين في ال19 من نفس الشهر و من نفس السنة، و بدأت بعدها مرحلة بناء العراق الجديد، لكن للأسف جرت الأمور على عكس المرغوب فيه حيت أن الديمقراطية العراقية سممت بالطائفية التي قسمت الشعب إلى طوائف، لتصبح العراق مثالا على الديمقراطية المسمومة، و التي قد تكون أسوء من الديكتاتورية الوطنية، و هذا ما أبانت عليه الأحداث الإرهابية التي تحصل في العراق بشكل شبه دوري، و أيضا المظاهرات العارمة التي تحصل بين الحين و الآخر ضد الطبقة السياسية كاملة.
و غير بعيد عن التجربة العراقية تظهر التجربة اللبنانية ، والتي كانت تعتبر الديمقراطية رقم واحد في الوطن العربي، لكن للأسف هي أيضا ديمقراطية مسمومة و متسخة بالطائفية المقسمة للوطن، حيث تقسم المناصب العليا بناء على الطائفة و ليس الكفاءة أو الوطنية، ليصبح الأهم هو حماية مصالح الطائفة و ليس الوطن، و فيما يتعلق بالأحداث التي حصلت للبنان في السنوات الأخيرة، كان الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان بارزا، إضافة إلى خروج القوات السورية من التراب اللبناني، لكن وقع حدث آخر كان سببا في تأزيم الوضع، و هو حادث إغتيال رفيق الحريري سنة 2005 لتثار النعرات الطائفية آنذاك بشكل أكبر، لتهدأ الأمور فيما بعد بشكل نسبي ، ثم جاءت فترة فراغ دستوري عمرت طويلا لتنتهي بالإنفاق على تسمية ميشيل عون في 31 أكتوبر  2016 رئيسا للجمهورية، و الذي يواجه حاليا هو و الطبقة السياسية في لبنان مظاهرات تطالب بتغيير النظام.
و رجوعا إلى الربيع العربي و منبعه في تونس، نجد أن الأمور حدثت بسرعة كبيرة، حيث بعد أيام قليلة من إضرام البوعزيزي النار في جسمه قامت مظاهرات عارمة، وصلت بسرعة إلى قلب العاصمة التونسية، اضطر معها بن علي إلى الهروب إلى السعودية ليعلن عن سقوط نظامه، و تنتقل تونس إلى مرحلة جديدة من بناء دولة ديمقراطية حديثة، و لحد الآن نجحت تونس في ذلك، حيث شهدت نقلا للسلطة أربع مرات بشكل سلس، فمن المبزع إلى المرزوقي، و من المرزوقي إلى السبسي، و إلى محمد الناصر بعد وفاة السبسي، و من الناصر إلى الرئيس المنتخب من قرابة ثلاثة أرباع الشعب التونسي قيس سعيد، و هكذا تصبح التجربة التونسية هي الرائدة في العالم العربي، و تصبح ملهمة للعالم أسره، لكن يبقى لها أن تراعي التحديات التي عليها أن تتغلب عليها خاصة ما يتعلق بالمجالين الإجتماعي و الاقتصادي لتصل إلى تحقيق مطالب الثورة " كرامة ،حرية،  عدالة اجتماعية".
و على النقيض من تونس ، كانت التجربة في مصر مخيبة للآمال، فبعد انتفاضة 25 يناير و تنحية مبارك في ال11 من فبراير ، وقعت أخطاء في إدارة المرحلة خاصة على مستوى المعارضة المصرية ليدخل الشقاق بين مكوناتها تم استغلاله بشكل جيد من الطرف الآخر، فبعد فوز مرسي برئاسة مصر سنة 2012، و بعد فترة لم تنجاوز السنة خرجت مظاهرات مدعومة من أطراف عديدة كانت تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، لكن أعقبها عزل للرئيس مرسي و ليس إنتخابات مبكرة في الثالث من يوليو 2013، ثم بعد مرور الفترة الإنتقالية أصبح وزير الدفاع رئيسا، و مدد بعد ذلك لفترة ثانية، و قد يبقى لأكثر من ذلك، لتكتشف المعارضة المصرية خطاياها بشكل متأخر جدا، دفع الشعب المصري ثمنه.
و ما بين تونس و مصر توجد ليبيا، و هي أيضا وصلتها رياح الربيع العربي الذي أدى لمقتل القذافي في 20 أكتوبر 2012، لكن الوضع تضهور هناك بعد انقسام السلطة على عدة فرقاء ، زاد ذلك ظهور خليفة حفتر و حملته العسكرية التي يريد أن يبسط عبرها يده على ليبيا و أن يتحكم فيها بنفس قدر تحكم القذافي أو أكثر مستلهما من تجربة سيسي مصر.
و الوضع في ليبيا لم يكن يختلف كثيرا عن الوضع في اليمن فبعد المظاهرات المليونية المتوالية تنازل الرئيس علي عبد الله صالح عن الحكم بناءا على المبادرة الخليجية، و تولى عبد ربه منصور هادي نائبه الرئاسة، لكن سرعان ما تضهور الوضع أيضا بعد أن سيطر الحوثيون على القصر الجمهوري في صنعاء واحتجاز عبد ربه في 22 يناير 2015، و بعدها بيوم توفي الملك عبد الله و حل محله الملك سلمان ، الذي أطلق عاصفة الحزم ضد الحوثي و حليفه علي عبد الله صالح في 26 مارس 2015، و بعد نشوب خلافات بين الحوثي و الرئيس السابق ،قتل هذا الأخير في الرابع من دجنبر 2017، و مازالت الحرب متواصلة هناك مع ظهور تقاطعات مصالح للعديد من الأطراف هناك، دون أي مراعاة للشعب اليمني الذي أصبح يعتبر الشعب الأكثر جوعا و مأساة في العالم حاليا، رغم أنه جار للعديد من الدول الغنية في العالم.
و بعد الموجة الأولى للربيع العربي، جاءت موجة ثانية منه، و كانت السودان التي انقسمت إلى سودان و جنوب سودان على ضوء إستفتاء يناير 2012، أحد الدول التي مستها رياح التغيير حيث بعد المظاهرات التي شهدتها هذه السنة، قام الجيش بعزل عمر البشير الرئيس المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، و الذي بسببه كانت السودان محاصرة اقتصاديا و سياسيا، فزياراته الخارجية كانت جد محدودة ، بل كان آخرها زيارة لرئيس لا يزوره أحد ، حيث قام بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد، ليجلب معه لعنة الربيع العربي التي أصابت الرؤساء العرب، و تتم محاكمته حاليا في عدة قضايا، و  قد انتقلت السلطة إلى مجلس انتقالي مشترك بين الجيش و المعارضة.
إضافة إلى كل هذه الأحداث المؤثرة، كانت هناك أحداث أخرى متفرقة، منها وفاة ياسر عرفات و ما نتجت عنه من تشتت الصف الفلسطيني، و محاولة الانقلاب الفاشلة التي حصلت في تركيا سنة 2017، فنجاحها كان سيغير الوضع الإقليمي بشكل كبير، و أيضا عودة المغرب للإتحاد الإفريقي بعد سنوات من الغياب، مما قطع مع سياسة الكرسي الفارغ، و حتى لا ننسى أيضا وصول ترمب إلى رئاسة أمريكا، و الذي غير الكثير في سياسة أمريكا و مازال سيغير إذا استطاع الصمود في وجه التحقيقات التي قد تصل في حالة نجاحها إلى عزله، إضافة إلى وفاة كل من الرئيس المصري الأسبق مرسي داخل المحكمة في يونيو 2019.

هذه الأحداث و أخرى كانت فارقة في واقع الحال حاضرا، كما أنها مازالت متحركة و ستكون لها أكيد تأثير في السنوات المقبلة، و التي نتمنى أن تكون أحسن حالا من سابقاتها من السنوات، و تتحقق أمنية "كل سنة و أنت أفضل" فعلا.