مبادئ القانون العامة الحاكمة للعلاقات الدولية

شاهد

مبادئ القانون العامة الحاكمة للعلاقات الدولية

نصت الفقرة (ج) من المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية على مبادئ القانون العامة التي اقرتها الامم المتحدة كمصدر ثالث للقانون الدولي العام التي تطبقها المحكمة للفصل فيما يعرض عليها من المنازعات الدولية .


الطبيعة القانونية لمبادئ القانون العامة :

 اختلف الفقهاء اختلافا كبيرا في تحديد طبيعة مبادئ القانون العامة وفي تحديد مكانه هذه المبادئ كمصدر من مصادر القانون الدولي . فقد انكر بعض الفقهاء على مبادئ القانون العامة صفة المستقل فمنهم من اعتبرها مجرد وسائل تكميلية يلجأ اليها القضاء عند عدم وجود قواعد اتفاقية او عرفية يمكن تطبيقها على النزاع المعروض عليه . وهي في حقيقتها معايير تسترقي بهل المحكمة عندما تصدر حكمها بعد ان يثبت لها عدم وجود قاعدة اتفاقية او عرفية يمكن تطبيقها على النزاع المعروض عليها . وفي هذه الحالة يكون حكم المحكمة مؤسسا على مبادئ غير قانونية . فليست المبادئ العامة هي التي تنشأ القاعدة القانونية الدولية وانما هو عمل القاضي الذي يستند الى المبادئ العامة المستخلصة من الانظمة القانونية الداخلية . ولكن هذا التفسير مرفوض لانه يتعاض مع نص المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية , حيث نصت صراحة على ان وضيفة المحكمة ان تفصل في المنازعات التي ترفع اليها وفقا لاحكام القانون الدولي , فالمحكمة لاتنشئ قواعد قانونية دولية , وانما هي تطبقه . ويذهب بعض الفقهاء الاخرين امثال لوفور الى ان الفقرة (ج) من المادة 38 تشير الى قواعد القانون الطبيعي وهذا التفسير هو الاخر لا يتفق مع نص المادة 38 الذي يتكلم صراحة عن المبادئ العامة التي اقرتها الامم المتمدنة ,اي المبادئ التي تطبق فعلا عند هذه الامم , فلا يجب اذا الخلط بين قواعد القانون المثالي وبين القواعد القانونية الوضعية .ويرى فريق آخر من الفقهاء ان الفقرة (ج) من المادة 38 تعني قواعد العدالة .ولا يمكن ايضا قبول هذا التفسير , لانه لايتفق مع نص الفقرة الثانية من المادة 38 الذي يتكلم عن سلطة المحكمة في الحكم وفقا لقواعد العدالة والانصاف وذلك في حالة موافقة اطراف الدعوى صراحة , على تخويل المحكمة هذه السلطة . وفي رأي غالبية الفقهاء السوفيت ان الفقرة (ج) من المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية لا تتحدث عن مصدر معين من مصادر القانون الدولي او وسيلة خاصة لانشاء قواعده . اما الاستاذ شارل روسو فانه يرى , ان مبادئ القانون العامة هي مصدر مستقل للقانون الدولي . وهذا الرأي الاخير هو الرأي الراجح الآن في الفقه والقضاء الدوليين .

 مضمون مبادئ القانون العامة :

 لقد اختلف الفقهاء كذلك في تحديد مبادئ القانون العامة , فمنهم من يرى ان المقصود بمبادئ القانون العامة هي المبادئ العامة للقانون الداخلي , وفريق ثاني وخاصة معظم الفقهاء السوفيت يذهبون الى مبادئ القانون العامة لا يمكن ان تكون الا المبادئ العامة للقانون الدولي دون غيرها . اما الفريق الثالث ومنه الاستاذ شارل روسو فانه يرى ان المقصود بمبادئ القانون العامة هي المبادئ المشتركة في النظامين القانونيين الدولي والداخلي اي المبادئ العامة للقانون الدولي والمبادئ العامة للقانون الداخلي , ويرى روسو ان هذا التفسير ضمني لان اصطلاح القانون الواردفي الفقرة (ج) من المادة 38 جاء مطلقا . فمن مبادئ القانون الداخلي التي يمكن ان تسري احكامها على العلاقات الدولية من حسن النية ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين وغيرها من المبادئ . اما المبادئ الخاصة بالعلاقات الدولية فمنها مبدأ استمرارية الدول , وتفوق المعاهدات الدولية على القانون الداخلي وقاعدة استنفاذ المراجع القضائية ,  وتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية وغيرها من المبادئ .

موقف القضاء الدولي من مبادئ القانون العامة :

 من استقراء احكام المحاكم الدولية , يتضح لنا بان مضمون مبادئ القانون العامة يمكن ان يستمد من المبادئ العامة للانظمة القانونية الداخلية او من المبادئ العامة للقانون الدولي .
1. مبادئ القانون الدولي العامة :
من المبادئ العامة للقانون الدولي المطبقة في العلاقات الدولية , نرى ان محكمة العدل الدولية في الحكم الذي اصدرته في قضية الذهب النقدي سنة 1954 اخذت بمبدئ عدم جواز اكراه اية دولة على التحكيم من غير رضاها , ومبدأ حرية المواصلات البحرية , والتزام كل دولة بعدم السماح باستعمال اقليمها لغرض القيام باعمال منافية لحقوق الدول الاخرى .
2. المبادئ العامة للقانون الداخلي :
لقد وجدت مبادئ القانون العامة القوانين الداخلية لمختلف الامم مجالا للتطبيق امام المحاكم الدولية ومن تلك المبادئ مبدأ احترام الحقوق المكتسبة التي جاء ذكرها في قرار محكمة العدل الدولية الدائمة الصادر بتاريخ 25 مايس سنة1926 في قضية المصالح الالمانية في ساليسيا العليا البولونية . ومبدأ عدم جواز ان يكون الشخص قاضيا وخصما في نفس الوقت الوارد ذكره في قضية الموصل , وبعض المبادئ العامة هي الاجراءات القضائية . كمبدأ قبول القرائن الواقعية التي جاء ذكرها في قرار محكمة العدل الدولية الصادرة سنة 1949 في قضية مضيق كورفو بين المانيا وبريطانيا وغيرها . وفي الرأي الافتائي الذي صدر عن محكمة العدل الدولية في 28 مايس سنة 1951 بشأن التحفظات على اتفاقية تحريم ابادة الجنس البشري جاء فيما يأتي ( ان المبادئ التي تقوم عليها الاتفاقية هي مبادئ اقرتها الامم المتمدنة بوصفها ملزمة للدول دون ان يكون هذا الالتزام اتفاقيا ) .
المصادر المساعدة في القانون الدولي العام
بعد ان اشارت المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية , الى المعاهدات والعرف ومبادئ القانون العامة قضت بأن هذه المحكمة تستطيع عند عدم توافر المصادر الاصلية المذكورة ان ترجع الى احكام المحاكم ومذاهبه كبار المؤلفين في القانون العام من مختلف الامم وذلك باعبارها وسائل تساعد على تعيين القواعد القانونية . فالمصادر المساعدة في القانون الدولي العام هي اذا  احكام القضاء ومذاهب كبار المؤلفين في القانون الدولي العام . وكذلك تستطيع المحكمة الرجوع الى مبادئ العدل والانصاف متى وافقت الاطراف المتنازعة على ذلك وسنستعرض بايجاز هذه المصادر المساعدة .
الفرع الاول : احكام القضاء . تعد احكام القضاء المصدر المساعد الاول للقانون الدولي حيث ان مهمة القاضي  تقتضي على تطبيق القانون القائم ولا تتعداها الى خلق قواعد جديدة للقانون الدولي . كما ان حكم  المحكمة الدولية لا يلزم الا اطراف النزاع وذلك بالنسبة للنزاع المحكوم فيه فقط . ويدل على ذلك ما  ورد في صدد المادة 38 من النظام الاساس من ان مهمة المحكمة هي تطبيق القانون الدولي . وما  نصت عليه المادة 59 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية من ان حكمها  ( لا يكون له قوة الالزام الا بالنسبة لمن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي فصل فيه ) . ومع ان احكام المحاكم الدولية للتعبير كسوابق قضائية يمكن التمسك بها من قبل الدول الاخرى في    القضايا المتماثلة اللاحقة . الا انه من الممكن الرجوع اليها للاستدلال على ما هو قائم ومطبق منقواعد القانون الدولي ولتفسير ما غمض منه . من ذلك مثلا , الرأي الافتائي الذي اصدرته محكمة    العدل الدولية في 13 تموز عام 1954 في قضية اثر احكام التعويض الصادرة عن المحكمة الدولية  للامم المتحدة , فقد اشارت المحكمة في رأيها السالف الذكر الى رأي سابق لها بشأن التعويض عن الاضرار التي تحدث أثناء خدمة الامم المتحدة .